تشرين الثاني (نوفمبر) 2018

  • 1 - 30 نوفمبر 2018

تحولات الاقتصاد العربي في ظل

"الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات"

 

 

يشهد واقع الاستثمار العالمي متغيرات غير مسبوقة مدفوعاً بالتطورات النوعية التي أحدثتها مخرجات التكنولوجيا، لاسيما في قطاع الأعمال، حيث تتجه الكثير من الشركات الاستثمارية في العالم إلى التركيز بصورة مكثفة على الاقتصاد الرقمي وتوظيف التقنيات المتقدمة في المشاريع التجارية والصناعية خلال المرحلة المقبلة.

ولا شكّ أنّ هذا الواقع الجديد يستدعي مستوى جديداً من التعاون والحوار وتبادل الخبرات سواء على صعيد الحكومات أو على مستوى القطاع الخاص، للخروج بمبادرات واستراتيجيات جديدة تدفع قدرتنا على مواكبة الاتجاهات الحديثة في عالم التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والعملات الرقمية وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.

وعلى هذا الصعيد تتوقع دوائر الاستثمار العالمية أن تساهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بـ 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، مع وصول الاستثمار العالمي إلى 89.9 بليون دولار بحلول عام 2025، وذلك في ضوء تراجع معدلات التدفقات الاستثمارية على المستوى العالمي، والتي سجلت 15 في المئة. ومن المتوقع أن يصل حجم استثمارات تقنية «بلوكتشين» العالمية إلى نحو 300 بليون دولار بحلول عام 2024، وأن يستقطب نظام النقل الذكي استثمارات تصل إلى 57.44 بليون دولار بحلول عام 2024. ويُتوقع أن تستقطب البنية التحتية الذكية، وهي الاتجاه الذي بدأ يُستخدم على نطاق متزايد لاستبدال المباني والمرافق القديمة، على اهتمام استثماري كبير بمبلغ 3.7 تريليون دولار بحلول عام 2035.

ويتوقع أيضاً أن يصل حجم المشاريع العالمية المتعلقة بالاستدامة إلى نحو 22.89 تريليون دولار، فيما يمكن للاستثمارات الأجنبية المباشرة المتعلقة بالتكنولوجيات المُغيّرة أن تلعب دوراً رئيساً في زيادة الاستثمارات عبر الحدود وتيسير التجارة الإقليمية.

إزاء هذه المعطيات، يبقى السؤال الأهم: كيف ستتعامل البلدان العربية مع هذه "التحولات الذكية" في سياق تعزيز اقتصاداتها وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها؟

تمثّل الثورة الصناعية الرابعة نقلة كبرى مع منتجات وتأثيرات الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وبعض من هذه المنتجات سيزيد من إنتاجية العامل، والبعض الآخر سيحل محل العامل نفسه، والأمر هنا غير قاصر على إحلال الإمكانات محل عمال مهرة وآخرين من متواضعي الإنتاجية كما حدث من قبل، لكن هذا الأمر سيطول أصحاب الياقات البيضاء والتخصصات الدقيقة ممن ظنوا أنهم بمأمن. لذلك سيصبح على الجادين في البحث عن عمل لائق أن يجيدوا المهارات التي تجعلهم أقل تكلفة من آلات عالية التقنية، أو أكثر كفاءة منها، أو الاثنين معًا.

من هذا المنطلق فإنّ تطور التكنولوجيا خاصة في مجالات الاقتصاد الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، تشكل فرصا للشباب العربي في سوق العمل الأمر الذي من شأنه أن يرتد إيجابا على صعيد ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، مع الإشارة هنا إلى أنّ النمو ليس هدفا في حد ذاته، لكنه يبقى المحرك الحيوي لإنجاز أهداف أساسية للأفراد والمجتمعات، بدءا من انتشالهم من قاع الفقر المدقع، إلى توفير الموارد للارتقاء بالتعليم والرعاية الصحية ووضع الاقتصاد على مسار التنمية المستدامة.

وهنا لا بدّ من القول إنّ الدول التي حققت إنجازًا في مسار التنمية، مثل اليابان وسنغافورة وكوريا والصين وغيرها من البلدان الصناعية المتطورة، تبنت استراتيجيات تضمنت خمسة مكونات اشتركت فيها بدرجات مختلفة هي: تحقيق معدلات عالية لتراكم المدخرات والاستثمارات المحلية وبتوجيه التعليم والصحة والبنية نحو المستقبل، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي بالسيطرة على عجزي الموازنة وميزان المدفوعات ومعدلات التضخم والاندماج في الاقتصاد العالمي تصديرا وجذبا للاستثمارات وكسبا للمعارف والاعتماد على الأسواق المنظمة في توجيه الموارد الاقتصادية ووجود حكومات ذات كفاءة ومصداقية ملتزمة من خلال مؤسساتها بتحقيق أهداف التنمية.

استنادا إلى ذلك، لا بدّ على البلدان العربية أن تقوم بصياغة استراتيجية لتنمية الاستثمار الأجنبي المباشر من ناحية النوع والحجم والقطاعات ذات الأولوية المفتوحة لتدفّق الاستثمار الأجنبي المباشر، مع مراعاة أن تتصف سياسات الدول العربية نحو جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بالمرونة طبقا للأوضاع الاقتصادية والتقنية المتاحة.

 
محمد عبده سعيد
رئيس مجلس الإدارة

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن