آذار (مارس) 2019

  • 1 - 31 مارس 2019

الإصلاح الضريبي..
ضرورة عربية لوقف الهدر وتحقيق النمو


لعبت الأنظمة الضريبية دوراً حاسماً في تحويل دول أوروبا من دول زراعية وتعتمد على التجارة الى دول صناعية في أعقاب الثورة الصناعية، التي بدورها لعبت دوراً بارزاً في تمكين الأنظمة الديمقراطية فيها وفي قدرة الأفراد على محاسبة الحكومات على أدائها بسبب شعورهم بالشراكة معها نتيجة الضرائب التي يدفعوها من مداخيلهم. ومكنتها في الوقت ذاته من تأسيس أنظمة اجتماعية أكثر عدالة توفر من خلالها الضمان الصحي وإعانات البطالة وحماية الشيخوخة.

في المقابل عجزت معظم الدول النامية ومن ضمنها غالبية الدول العربية عن تقليد الدول المتقدمة في استخدام الأنظمة الضريبية فيها لتحقيق الأهداف ذاتها. ولا يشمل القصور عدم القدرة على استخدام المعايير الدولية ذاتها في فرض الضرائب، بل أيضاً في جبايتها، ما جعل هذه الدول تخسر الكثير من مواردها الذاتية سنوياً وتجميعها لأغراض تمويل التنمية، ما جعلها تدور في حلقة مفرغة من عجز الموارد الذاتية وزيادة الاعتماد على الديون وعلى المساعدات الخارجية.

وتظهر أرقام المؤسسات الدولية أن إجمالي مساعدات التنمية على مستوى العالم تبلغ 130 مليون دولار سنوياً، يذهب 27 مليون دولار منها لأفريقيا بينما تخسر الأخيرة وحدها 90 مليون دولار سنويا نتيجة الممارسات الضريبية الخاطئة. وتتنافس هذه الدول لإعطاء محفزات ضريبية أكبر للاستثمار الأجنبي المباشر، ما يضيف مصدر هدر آخر يضعف من قدرة هذه الدول على توفير التمويل لأغراض التنمية.

وقدر معهد الأمم المتحدة لأبحاث التنمية الاقتصادية أن العالم يخسر سنوياً من التجنب الضريبي 500 بليون دولار. وأعد صندوق النقد الدولي دراسة استخدام فيها أسلوبين، الأول حجم الخسائر السنوية للدول من التجنب الضريبي والثاني تحديد نسبة الخسائر التي تتحملها الدول إلى اجمالي الناتج المحلي. وأظهر الأسلوب الأول أن الدول المتقدمة، بسبب حجم وقوة اقتصادها، تأتي في المقدمة حيث احتلت الولايات المتحدة رأس القائمة بخسائر بلغت 188 بليون دولار سنوياً، تلتها الصين بـ66.8 بليون دولار، فيما احتلت المملكة المتحدة اسفل القائمة التي تتألف من 11 دولة بـ1.1 بليون دولار. وعندما استخدمت الدراسة ذاتها الأسلوب الثاني وهو نسبة الخسائر الى الناتج المحلي الإجمالي، احتلت الدول الفقيرة ومتوسطة المراتب العشرة الأولى، حيث جاءت غُيانا في أميركا الجنوبية في المرتبة الأولى بنسبة 6.97 في المئة، واحتلت ناميبيا في أفريقيا المرتبة العاشرة بـ3.95 في المئة.

وتتفاقم مشكلة تجنب دفع الضرائب في الدول المتقدمة منذ العام 1980، خصوصاً بعد انتشار ظاهرة العولمة التي عززت فرص التحايل على دفع الضرائب وفي الوقت ذاته قلصت القدرة على تثبيت ذلك على المرتكب. وبدأت منظمة "أو أف سي دي" منذ العام 2013 مع أكثر من 100 دولة معالجة موضوع تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح. وتتكون خطة العمل من 15 نقطة اجرائية تهدف الى غلق الفجوات في الأنظمة الضريبة على مستوى العالم والتي تسمح حالياً للشركات العابرة للحدود من تحويل أرباحها الى الأماكن التي لا توجد فيها ضريبة على الدخول أو ضريبة منخفضة والتي تسمى عادة بالملاذات الضريبية.

وترى المنظمة أن مشروعها يحمل أهمية خاصة للدول النامية التي هي في العادة أكثر تأثرا من الدول المتقدمة بفقدان عوائدها الضريبية بسبب ضعف اوضاعها الاقتصادية. وتحاول "أو إي سي دي" أن تخرط الدول النامية بأجندة الضريبة العالمية لتتأكد من مساعدتهم في احتياجاتهم، كما أن الموضوع كان على جدول اعمال الاجتماع السنوي لملتقى الاقتصاد العالمي في دافوس عام 2017 وكان عنوان الجلسة الخاصة به "فرض الضرائب بلا حدود مساهمة عادلة من الشركات العابرة للحدود " لغرض ايجاد حلول للمشكلة بعد تسريب "اوراق بنما" التي أظهرت مدى استعمال الشركات عابرة الحدود للملاذات الضريبية لتقليص مدفوعاتها من الضرائب للدول المضيفة للاستثمار الأجنبي.
ومهما بلغت خسارة الدول المتقدمة من التجنب والتهرب الضريبي فإن المشكلة أكبر بكثير في الدول النامية التي تعاني أنظمتها الضريبية من مشاكل عديدة، منها الافتقار الى استخدام المعاير الدولية وضعف مستويات التطبيق بسبب الإفتقار الى القدرة على ادارة الضرائب والافتقار الى حسن ادارة السياسة الضريبية وأخيراً ضيق القاعدة الضريبية بسبب كبر القطاع غير الرسمي في الاقتصادات النامية.