تموز (يوليو) 2019

  • 1 - 31 يوليو 2019

آفاق الابتكار في العالم العربي

 

تربّعت سويسرا حسب إصدار مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019 والذي صدر خلال هذا الشهر، على عرش أكثر البلدان ابتكاراً في العالم، وتليها السويد ثم الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا والمملكة المتحدة. كما حدّد المؤشّر أيضاً الهند وجنوب أفريقيا وشيلي وسنغافورة والصين وفيتنام ورواندا كبلدان رائدة إقليمياً ومترأسةً لمجموعاتها من حيث الدخل.

في المقابل لم يلحظ المؤشّر تواجد أيّ بلد عربي ضمن قائمة أفضل 20 بلدا في ترتيب الابتكار العالمي وكانت بارقة الأمل الوحيدة في هذا التقرير حلول دولة الإمارات العربية المتحدة في موقع متقدّم في هذا المؤشّر (المركز 36 عالميّا والأوّل عربيّا)، إذ جاءت في المراتب الأولى من حيث عدد الطلاب الأجانب في التعليم العالي، ونفقات أنشطة البحث والتطوير التي يمولها قطاع الأعمال، ومهارات البحث في الشركات، إضافة إلى تكاليف الفصل والتسريح، وإنتاج الكهرباء، وتطوير التجمعات.

إزاء ما تقدّم تقودنا نتائج المؤشّر إلى السؤال التالي: ما هي أوجه القصور التي يعاني منها العالم العربي على صعيد الابتكار؟

تشير الإحصاءات إلى أنّ الدول العربية تعاني من فقر معرفي تتجلّى مؤشراته في ضعف كبير لبنية إنتاج المعارف، حيث نجد أن الدول العربية تخصص فقط 0.4 % من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، وبذلك تساهم بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.5% من الإنفاق الاجمالي العالمي على البحث والتطوير، بما مجموعه 7 مليارات دولار حسب تقرير لمنظمة اليونيسكو.

وفي هذا السياق، تمثل قلة الباحثين أحد أوجه القصور في التركيبة المعرفية العربية، فعددهم محدود في مليون ونصف مليون باحث، بما يقارب 400 باحث لكل مليون نسمة. وينفق على الباحث العربي ما يعادل 40000 دولار مقابل 200000 دولار للباحثين بالدول المتقدمة و120000 دولار بالدول النامية

وعلى هذا الأساس، نسجل قلة في المنشورات العلمية العربية، وكذلك ندرة في براءات الاختراع، فلم يسجل العالم العربي سوى321 براءة اختراع مما مجموعه 210977 براءة اختراع مسجلة لدى المنظمة الدولية للملكية الفكرية.

وبناءً على ما تقدم، نستنتج وجود فجوة كبيرة بين العالم العربي والدول المتقدمة، فهناك فروقات تكنولوجية تفصل من يمتلك القدرة على استخدام تقنيات المعلومات والتواصل ومن يستهلكها، وتتسع هذه الفجوة الرقمية باختلافات معرفية تخص إمكانات التعلّم وإنتاج المعرفة عبر نُظُم وطنية للابتكار قادرة على تحويل الموارد المعرفية الأولى إلى قدرات استيعابية تنبني على الارتقاء بالكفاءات وتنمية المعارف عبر التراكم والتعلّم المستمر. وعلى هذا النحو، فالابتكار يحتاج إلى امتلاك القيم العلمية والثقافية التي تدفع بتطوير البنى الإنتاجية والمرتكزات المعرفية

وفي الحقيقة إنّ الخروج من براثن الفقر المعرفي إلى أفاق الابتكار يستدعي وجود سياسة علمية رصينة تكون حرية التفكير والتعبير حجر الزاوية فيها. وتسعى بذلك إلى إعداد متكامل للناشئة وتحفيز للإبداع والابتكار، معتمدة في ذلك على تحسين جودة التعليم عبر أساليب متجددة تصقل ملكات التنقيب والاستكشاف والقيادة لدى المتعلمين، وإسهامها في رسم معالم جديدة للهياكل الاجتماعية والسلوك الاقتصادي والأداء المؤسساتي بالعالم العربي.

وختاماً، لا بد من العودة إلى الدور المحوري للجامعات في التقدم بالاقتصاد المعرفي، فعلى المستوى العالمي، نجد أن الجامعات أصبحت تؤدي وظائف عديدة تمزج بين التكوين الجامعي، البحث العلمي والابتكار بما يشمله من إبداعات تكنولوجية، تنظيمية، خدمية وإدارية. أما عربياً، فالجامعات تعاني من إشكاليات تدبيرية أبرزها ضعف الموارد.

ومن هذا المنطلق يستوجب على الجامعات العربية التوجه نحو مهام جديدة تتعلق أساساً بالتعاقد على الأبحاث، تطوير بنى الابتكار والتشجيع على الاختراع، ناهيك عن تقديم الاستشارات والخبرات، بالإضافة إلى استدعاء العقول العربية المهاجرة والاستفادة من خدماتها، دون أن نغفل المكانة الهامة للإعلام في مرافقة عمل المؤسسات التعليمية بتسليط الضوء على النجاحات العلمية العربية وتخصيص حصص زمنية للتوعية والتوجيه العلمي بما يدعم ثقافة الابتكار ومجتمع المعرفة.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن