شباط (فبراير) 2020

  • 1 - 29 فبراير 2020

المعرفة.. بوابة تقدم المجتمعات العربية!!

 

لا شكّ أنّ المساهمة العربية في اقتصادات المعرفة والتنمية المستدامة، وتأسيس مجتمع معرفة عربي قادر على المنافسة، لا يمرّان سوى عبر بوابة تشجيع الابتكار والبحث العلمي ودعم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في مختلف الأقطار العربية، بالإضافة إلى العمل على التشبيك بين مختلف هذه المراكز، والسهر على انفتاحها وتفاعلها مع التجارب المتقدمة، من أجل أن تعمّ الفائدة الجميع. وفي هذا الإطار، تمثل المعرفة الصفة الأساسية المميزة للمجتمع الإنساني، إذ من خلالها تحققت تحولات عميقة مست وغطت تقريبا كل مناحي الحياة، فالمعرفة وبلا ريب هي أحد المكتسبات المهمة للاقتصاد والمجتمع على حد سواء، حيث أضحت في هذا الاقتصاد الصاعد الجديد المحرك الأساسي للمنافسة الاقتصادية بإضافتها قيما هائلة إلى المنتجات الاقتصادية من خلال زيادة الإنتاجية والطلب على التقنيات والأفكار الجديدة، وقد واكبت هذه المنتجات فعليا التغيرات الثورية في كل الأسواق والقطاعات.

توضح تقارير ودراسات وإحصائيات عديدة أنّ الوطن العربي يمتلك كلّ مقومات التنمية المستدامة، من طاقات بشرية وقدرات وكفاءات علمية متميزة. كما يمتلك أيضا كل المقومات والمتطلبات المادية والموارد الطبيعية، الكفيلة بتحقيق تطور علمي واقتصادي يليق بالشعوب العربية، وتمكنها من استعادة مكانتها ودورها الريادي في توجيه المسيرة الإنسانية نحو الخير للجـميع.

لكن على الرغم من كل ذلك، ينبغي التشديد على أنّه لا يمكن بناء مجتمع فكري عربي دون أن يتمّ تعزيز قطاع البحث العلمي والتطوير، خصوصا في المجال البيئي والطاقة المتجددة والاستثمار في الموارد البشرية والعمل على التطوير المستمر للنظام التعليمي العام والتعليم التقني ووجود السياسات والاستراتيجيات التعليمية وبناء الثقافة الصحيحة المجتمعية، إضافة إلى الانفتاح المجتمعي على المجتمعات الدولية.

ومن أجل الارتقاء والانتقال باقتصادات الأقطار العربية من الاقتصادات الريعية نحو اقتصادات المعرفة، لا بدّ من وضع خطط متناسقة للبنية التحتية العربية، وذلك في ما يتعلق بشبكات الاتصال، والاعتماد على تكنولوجيا مستقلة وموارد بشرية قادرة على التركيب والتشغيل والصيانة العربية المتبادلة، مع الاهتمام بتحقيق درجة أعلى من الأمان المعلوماتي والشبكي، وتفعيل مبادرات المؤسسات العامة والخاصة والمجتمع المدني لإنشاء مواقع معرفية.

كما لا بدّ من إنشاء مواقع ومسارات للابتكار وحاضناته ودعم المبتكرين وتسويق مبتكراتهم في إطار الاقتصاد المعرفي وقوانين حماية الملكية الفكرية، ووضع آليات عمل لبراءات الاختراع وتسجيلها بوزارات الصناعة.

إلى جانب ذلك ينبغي بلورة وعي عربي لاستيعاب أُسس ثورة المعلومات والاتصالات، وصوغ سياسات وطنية نابعة من الواقع، تعتمد على الطاقات والإمكانات المتوافرة بهدف التقدم وبخطوات ثابتة عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي التّقني، وبما يحقق نقل التقنية وتوطيدها على المدى البعيد بدلا من استيرادها. كما لا بدّ من بناء المعرفة الجديدة من خلال الاهتمام بالبحوث الأساسية، وزيادة الإنفاق المخصص لنشاطات البحث والتطوير، ونقل التقنية وتوطيدها، والتركيز على تحقيق التكامل بين الجامعات والمعاهد المتخصصة، ومراكز البحوث، والمؤسسات، والتي تُعد مراكز لتوليد المعرفة والحصول على التقنية.

وعلينا كبلدان عربية، إدخال مقررات الاقتصاد المعرفي في المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وربط مخرجات التعليم والتدريب بحاجة سوق العمل. هذا بالإضافة إلى ضرورة تبنّي الرؤية الاستراتيجية التي قدمها تقرير التنمية الإنسانية الثاني لإقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية، والتي تتلخص في إطلاق حريات الرأي والتعبير والتنظيم، وضمانها بالحكم الصالح، والنشر الكامل لتعليم راقي النوعية مع إيلاء عناية خاصة لطرفي المتصل التعليمي وللتعلم المستمر مدى الحياة. وكذلك توطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير التقني في جميع النشاطات المجتمعية، بالإضافة إلى التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية العربية.

في المحصّلة، يمكن الجزم بأنّ كل هذه الخطوات كفيلة بأن تمكن البلدان العربية من بناء اقتصادات ومجتمعات معرفة متميزة.