ايار (مايو) 2020

  • 1 - 31 مايو 2020

 

القطاع الخاص العربي بعد "كورونا".. تحديات وفرص؟!

لا يزال العالم يعيش منذ بداية العام الحالي، تحت وطأة "الإغلاق الاقتصادي" جرّاء تفشي وباء "كورونا"، حيث أن الفيروس المستجد الذي اجتاح العالم أنهك بلا أدنى شك اقتصادات دول كبرى، لها متانتها المالية والاقتصادية، فكيف بالأحرى الدول النامية، ومن ضمنها البلدان العربية.

على الصعيد العربي، أحدثت أزمة كورونا أضرار كبيرة بالاقتصاد العربي الذي يعاني أصلاً من تراجع معدلات النمو الاقتصادي وتباطؤ الاستثمارات. وعلى هذا الصعيد فإنّه من المتوقع أن ترتفع مديونية معظم البلدان العربية بشكل كبير، نظرا لحاجتها إلى تغطية متطلبات مواجهة الوباء. ومن المرجّح ارتفاع الإنفاق على الجوانب الصحية وكذلك محاولة مساعدة القطاعات المتضررة من الأزمة. إضافة إلى أن معدلات الفقر والبطالة سترتفع أيضاً بسبب الازمة.

وعلى الرغم أنّه من الصعب وضع تقديرات لحجم الخسائر العربية المباشرة وغير المباشرة بسبب الأزمة، ولكنها ستبلغ مئات المليارات من الدولارات.

إزاء ذلك، هناك دور كبير منوط بالقطاع الخاص العربي الذي يمثّل ركيزة اقتصادية أساسية، الأمر الذي يتطلّب تعزيز دوره في عملية التنمية الاقتصادية، كونه اللاعب والمحرك الأساسي لاستنهاض الاقتصادات في بلداننا العربية. كما لا بد من تعزيز قطاع الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كون هذه القطاعات تعتبر المدخل الأساسي للاقتصاد الرقمي.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار واقع التجارة العربية البينية، فبالأرقام فإنّ التجارة العربية البينية لا تتعدى نسبتها اليوم 10 في المئة من إجمالي التجارة العربية الخارجية، وإذا قمنا باستثناء تجارة النفط، تنخفض هذه النسبة إلى 7 في المئة فقط. والحال لا يختلف في ما يتعلق بالتدفقات المالية بين الدول العربية، بحيث أنها لا تزيد عن 25 في المائة من إجمالي الاستثمارات والتدفقات المالية إلى خارج الوطن العربي.

في المقابل فإنّ الدول العربية تستورد نحو 90 في المئة من احتياجاتها من الخارج، نظرا لعدم وجود سلع وصناعات متطورة في غالبية هذه الدول، وتأتي الآلات والمعدات في مقدمة الواردات بسبب عدم قدرة الدول العربية على إنتاجها لافتقارها للتكنولوجيا اللازمة. كما أن المستهلك العربي يفضل المنتجات الأجنبية على السلع العربية حتى ولو كانت بجودة أقل.

من هنا فإنّ على الدول العربية إشراك القطاع الخاص العربي بعملية اتخاذ القرارات الاقتصادية، من خلال تعزيز مشاركته في إعداد البرامج وخطط التعاون الاقتصادي والتجاري العربي المشترك، ليتمكن من أداء دورهِ الفاعل في استثمار فرص التعاون الاقتصادي المتاح في الوطن العربي بدلاً من لعب دور المراقب حالياً.

وعلى هذا الصعيد، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي هي وحدها التي بدأت استهداف منشآت الأعمال، ويعد السبب في ذلك على الأرجح إلى امتلاك هذه البلدان حيزا ماليا أفضل للإنفاق على صعيد المالية العامة. وتتخذ السعودية والبحرين وسلطنة عُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، خطوات للحفاظ على قطاعها الخاص من تأجيل سداد أقساط الديون لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة إلى تقديم إعفاءات أوسع من الإيجارات ورسوم المرافق

من هذا المنطلق ينبغي على البلدان الأخرى أن تحذو حذوها. وهذا أمر بالغ الأهمية نظرا لارتفاع نسبة المنشآت الصغرى ومؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص، ونسبة العمال الذين يعملون فيها.

واستنادا إلى ما سبق ذكره، فإنّ هذا هو الوقت المناسب لمعالجة المشكلات الجذرية التي يواجهها القطاع الخاص، وهي: محدودية البيئة التنافسية في السوق وهو ما يتطلَّب المنافسة العادلة، ومحدودية الحصول على رأس المال الذي يتم في الغالب توجيهه إلى الشركات الكبيرة، وهو ما يستلزم تطوير القطاع المالي، بما في ذلك مبتكرات التكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية، بالإضافة إلى محدودية القدرات التكنولوجية للشركات، وهو ما يتطلب التحوُّل الرقمي الذي قد يتيح أيضا لمنشآت الأعمال سرعة التكيف مع الواقع الجديد للتباعد الاجتماعي.

في المحصلة ستعتمد التدابير الجديدة وانعكاساتها على الميزانية على أولويات كل بلد والحيز المالي المتاح له للإنفاق. ولكن إذا ارتبطت المبادرات قصيرة الأمد بالأهداف في الأمدين المتوسط والطويل، فإنها قد تخدم على نحو أفضل السكان والقطاع الخاص والاقتصاد بوجه عام في المنطقة العربية.