يونيو (حزيران) 2020

  • 1 - 30 يونيو 2020

جائحة كورونا.. فرصة عربية لتعزيز الاستثمارات البينية

ما زال العالم يتحسس خطواته بعد إعادة فتح الاقتصاد في أغلب دول العالم، وإن بدرجات مختلفة، مع وجود صعوبات واضحة في حصر خسائر الوباء الاقتصادية، وذلك بخلاف الخسائر البشرية، حيث تسبب الوباء حتى الآن في وفاة أكثر من 470 ألف شخص حول العالم، وإصابة ما يقرب من 9 ملايين، ولا توجد أي بشائر عن قرب التوصل إلى مصل يقي من الإصابة به قبل نهاية العام. 

وظهر الوباء فجأة في العالم، وكان لافتاً تأثيره الضخم على الاقتصادات الكبرى مقارنة بما حدث في الاقتصادات الناشئة والنامية، وتحديداً في ما يخص إيرادات الشركات، حيث كانت البلدان الكبرى أسرع وأشمل وأحكم في إغلاق اقتصاداتها، بينما كان هناك نوع من التسامح في الاقتصادات الأخرى، سمح به غياب الشفافية في ما يخص أعداد المصابين وحالات الوفاة المرتبطة بالوباء. لكن مع إعادة الفتح، كانت هناك توقعات واضحة بالعديد من الأرقام السيئة، التي لن تنجو منها هذه المرة الاقتصادات الأصغر.

وبعد أن تسبب الوباء في حدوث أكبر ركود عالمي منذ ما يقرب من قرنٍ من الزمان، وكانت له تأثيرات سلبية ضخمة على صحة وعمل وثروة ملايين الأفراد حول العالم، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ألا يعود الاقتصاد العالمي إلى مستويات الربع الأخير من العام الماضي قبل مرور عامين على أقل تقدير. وبحسب المنظمة فإنه في حالة السيطرة على انتشار الوباء، وعدم ظهور موجة ثانية من الإصابات، سيتراجع الاقتصاد العالمي بنسبة 6% خلال العام الحالي. أما في حالة حدوث موجة ثانية من تزايد الإصابات، فربما يؤدي ذلك إلى إغلاق جديد لأغلب الأنشطة الاقتصادية حول العالم، وهو ما سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تتجاوز 7.5%، وارتفاع معدل البطالة لأكثر من 10%، مع نهاية العام الحالي.

واقع الأمر يشير إلى أن الدول النامية لن تكون بمعزل عن التأثيرات السلبية للجائحة في المستقبل القريب، خاصة وهي تعتمد بصورة كبيرة في ما ترجوه من طفرات اقتصادية على الاستثمارات الأجنبية الواردة من الاقتصادات الكبرى. وفي هذا السياق كشف تقرير نشرته وكالة رويترز عن وجود توقعات بتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم خلال العام الحالي بنسبة 40 في المئة بسبب جائحة "كورونا"، وسوف تكون الدول النامية الأشد معاناة من تداعيات هذا التراجع. وبما أنّ أغلب الاقتصادات النامية تعتمد في كثير من الأحيان على الاستثمارات الأجنبية في التصنيع واستخراج المواد الخام، وترتبط فترات غياب تلك الاستثمارات بصورة واضحة بحدوث عجز كبير في موازين مدفوعاتها، الأمر الذي يضع عملاتها المحلية تحت ضغوط كبيرة، مما يضطر تلك الدول في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى الاستدانة من الخارج، يبدو أن تلك الاقتصادات ستتعرض في المستقبل القريب لظروف اقتصادية سيئة، مع توقعات انصراف تلك الاستثمارات عنها.  

إذن النظام العالمي الجديد، فيما بعد تجاوز مرحلة كوفيد-19، يحمل في طياته الكثير من التحديات، ولكن هذه التحديات لا تأتي بدون فرص، حيث يمكن لمن يحسن استغلالها اختصار آلاف الخطوات في الطريق للصعود إلى مسرح الاقتصاد العالمي ولعب دور فاعل فيه، وليست ظروف تراجع الاستثمار الأجنبي إلا واحداً من تلك التحديات التي تأتي بفرصتها.

وعلى هذا الصعيد فإنّ تراجع الاستثمار الأجنبي هو دعوة صريحة لدولنا العربية لاستغلال رؤوس الأموال المتاحة فيها لخلق شراكة بين القطاع الخاص والحكومات، فبلادنا تمتلئ بالعمالة الماهرة، الراغبة في الحصول على الفرصة، وأغلبها من الشباب الذكي، الذي نراه ينافس في أكثر بلدان العالم تقدماً، بمجرد حصوله على التدريب اللازم. ومع حجم السوق الموجود في البلدان العربية، لا تحتاج الأموال التي اعتادت على الهرب للخارج إلا إلى تشريعات تطمئنها، ورفع حجم التسهيلات التي يتم منحها للاستثمارات الأجنبية، وستكون قادرة في أقرب وقت على تحقيق نجاحات أكثر مما يحققه أي استثمار أجنبي، سواء بخلق فرص العمل، أو تحسين موازين المدفوعات، أو تحقيق معدلات النمو المرتفعة، وما يصاحبها من ارتفاع دخل المواطنين.

 

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن