يوليو (تموز) 2020

  • 1 - 31 يوليو 2020

هل الأمن الغذائي العربي مهدد جرّاء "كورونا"؟!

منذ اكتشاف أولى حالاته في مدينة (ووهان) الصينية في ديسمبر 2019، لا يزال فيروس كورونا المستجد يشكل تحديا غير مسبوقٍ للنظم الصحية والاقتصادية لدول العالم على حد السواء. وبنظرة سريعة إلى التحليلات الاقتصادية المتعلقة بآثار الجائحة، نجد أن أغلبها قد ركزت على تداعيات انتشار الفيروس على النمو الاقتصادي وحركة الأسواق المالية، في حين أغفلت هذه التحليلات إلى حدٍ بعيد انعكاسات الجائحة على القطاعات الزراعية والنظم الغذائية. ولا شك أنّ أزمة جائحة "كورونا" نبّهت بلداننا العربية الى أهمية موضوع الأمن الغذائي بعد أن شهد العالم إغلاقات لمختلف القطاعات الاقتصادية، ومنها سلاسل إمداد الغذاء العالمية، خاصة على صعيد التصنيع الغذائي وإغلاقات الأسواق التي تسببت بالقيود ومنع وسائل النقل سواء الجوية أو البحرية أو البرية ثم القيود على حركة الأفراد التي نتج عنها نقص في الأيدي العاملة المساهمة في الإنتاج الزراعي. إذا نتحدث عن مجموعة من العقبات التي واجهت هذا القطاع بسبب جائحة كورونا، مع العلم أن أغلب الدول العربية تعتمد على استيراد حاجاتها من السلع الزراعية، والعنصر الأكثر تحديا هو احتكار البذور اللازمة للإنتاج من قبل بعض الدول الصناعية، ما يجعلنا أمام مشكلة أكثر تعقيدا فرضتها هذه الجائحة، إذ ليس بإمكاننا استيراد حاجتنا الاستهلاكية من الإنتاج الزراعي وليس بإمكاننا كذلك زراعتها، وهذا الوضع فرضته الظروف المستجدة التي أوجدها فيروس "كورونا". في المحصّلة، تعتمد بلداننا العربية بشكل أساسي على استيراد حاجاتها الأساسية من المواد الغذائية رغم توفر الموارد الطبيعية من مياه وتربة صالحة للزراعة، الا أن غياب استراتيجية عربية موحدة والتنسيق بين هذه الأقطار ثم التقصير في التخطيط للمستقبل، أوجد فجوة بين الموارد الزراعية المتاحة وحاجتنا المستقبلية للغذاء، وحسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة، فقد تحدثت عن تراجع الاكتفاء الذاتي للبلدان العربية، وأنّ هذا التراجع مرشح للزيادة في العقدين المقبلين. الإشكال في هذا الموضوع هو كيف يمكن لنا أن نتحدث عن الأمن الغذائي ونحن لم نحقق المستوى المقبول من الاكتفاء الذاتي، فحسب التقرير نفسه فإن نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب، على سبيل المثال، في العام 2017 بلغت 34 % وفي مادة السكر بلغت 28%، بينما بلغت الزيوت النباتية 20% وبنسبة أفضل كانت الألبان ومشتقاتها بنسبة 83%، وجاءت اللحوم بنسبة 66 في المئة. قبل هذه الجائحة، نلاحظ أن التمويل المقدم لقطاع الزراعة في الوطن العربي يتسم بالتفاوت من بلد لآخر مع حجم التمويل المقدم للقطاعات الأخرى، ففي الوطن العربي، على سبيل المثال ما تزال حصة قطاع الزراعة من الاستثمار والتمويل متدنية مقارنة بحجم التمويل المقدم للقطاعات الاقتصادية الأخرى المساهمة في الناتج المحلي، ويمكن أن يعزى سبب ذلك إلى المخاطر العالية التي يتعرض لها الاستثمار في هذا القطاع على وجه الخصوص، إضافة الى تدني العائد المتحقق من رأس المال المستثمر في هذا القطاع بسبب تدني مستويات الأسعار للمنتج الزراعي مقابل ارتفاع تكلفة الإنتاج، وأحيانا عدم قدرته على تحقيق المنافسة الخارجية، فكانت النتيجة الاعتماد على العالم الخارجي للحصول على احتياجاتنا من المواد الغذائية، حتى أصبحنا من أكبر مستوردي الغذاء في العالم، هذا ما قبل أزمة كورونا. لذلك، يمكننا القول إن عدم قدرة الإنتاج الغذائي في البلاد العربية على تقليص الفجوة الغذائية لتوفير غذاء كاف لعموم السكان، وخاصة بعد هذا الظرف المستجد والمتمثل في أزمة فيروس كورونا، من أهم التحديات الآنية التي تواجه مجتمعاتنا، والتي مما لا شك فيه أنها تأخذ أبعادا اقتصادية وسياسية، إضافة الى البعد الأخطر، وهو البعد الاجتماعي الذي يتسم بالفقر والجوع وعدم القدرة على توفير المستلزمات الضرورية من المواد الغذائية في ظل الإغلاقات والحجر على الأفراد الذي تسبب به هذا الفيروس. إنّ عدم قدرة الإنتاج الغذائي على تلبية حاجات الأمة من الغذاء، واعتمادها على العالم الخارجي في سد حاجات السكان من المواد الغذائية بشقيها النباتية والحيوانية في هذه الأزمة المستجدة، يستوجب علينا أن نتوجه الى مناقشة إحدى المعالجات لبعض من هذه التحديات، وهو توفير سبل التمويل اللازمة والمتاحة.