أغسطس (آب) 2020

  • 1 - 31 أغسطس 2020

تعزيز الحوكمة..

مدخل البلدان العربية لمكافحة الفساد ما بعد "كورونا"

 

شكّل الفساد مشكلة قبل أزمة "كوفيد 19"، ولكن جائحة كورونا زادت من أهمية تعزيز الحوكمة لأسباب عديدة. صحيح أنّ الحكومات حول العالم تقوم بدور أكبر في الاقتصاد من أجل مكافحة الجائحة ومد شرايين الحياة الاقتصادية للأفراد والشركات. وهذا الدور الموسع ضروري ولكنه يؤدي أيضا إلى زيادة فرص الفساد. ولضمان التأكد من أن الأموال والإجراءات الموجهة لهذا الغرض تساعد الفئات الأشد احتياجا إليها، تحتاج الحكومات ولا سيّما العربية إلى تقارير تتسم بالشفافية وحسن التوقيت، وإجراءات لاحقة للتدقيق والمساءلة، وتعاون وثيق مع المجتمع المدني والقطاع الخاص. ومع تدهور الماليات العامة، ينبغي للبلدان العربية أن تعمل على منع التهرب الضريبي وإهدار الأموال وضياعها بسبب الفساد في الإنفاق العام. ولا شكّ أنّ الأزمات تختبر ثقة المواطنين في الحكومة والمؤسسات، ويصبح السلوك الأخلاقي أكثر بروزا عند ارتفاع الطلب على الخدمات الطبية كما يحدث اليوم. ويمكن أن يتسبب ظهور أدلة على الفساد في إضعاف قدرة البلد المعني على الاستجابة الفعالة للأزمة، مما يعمق الأثر الاقتصادي، ويهدد بفقدان التماسك السياسي والاجتماعي. إن الحد من الفساد يتطلب تبنيا للإصلاحات من جانب الحكومات، وتعاونا دوليا، وجهدا متضافرا مع المجتمع المدني والقطاع الخاص. وينطوي ذلك أيضا على إرادة سياسية ومثابرة في تنفيذ الإصلاحات على مدار شهور وسنوات. وعلى هذا الصعيد تحتاج الأزمة إلى زيادة التركيز على الحوكمة في السنوات القادمة بسبب الآثار المدمرة للجائحة وتكاليفها على الأفراد والاقتصادات. فلا قِبَل للبلدان بفقدان موارد ثمينة في أفضل الأوقات، ولا قبل لها أبدا أن تفقدها أثناء الجائحة وبعدها. وإذا كان هناك وقت مناسب لإصلاحات مكافحة الفساد، فهذا الوقت هو الآن. ونظرا لأن التداعيات الاقتصادية تنشأ بصفة خاصة عن وقوع صدمات حادة في قطاعات محددة، يتعيّن على صناع السياسات تنفيذ إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية، والسوق المالية، لمساعدة الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة. وفي هذا السياق، فإنّ التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية الذي يتحدث عن الفساد العالمي، لا يطمئن الحكومات والشعوب في العالم وخاصة العربية منها، إذ ما زال الكثير منها يئنّ من غياب النزاهة السياسية في الأمور اليومية التي تهم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ممارسة البيروقراطية في الأعمال اليومية من ممارسة الرشى، الأمر الذي يشكّل تحديا لتلك الدول ومؤسساتها. فالمنطقة العربية بحاجة إلى العمل الشفاف والمحاكمات العادلة للفاسدين لتغيير واقع الحياة في المجتمعات من خلال تكثيف عمليات التدقيق والمراقبة وتعزيز المساءلة القانونية والشفافية في وسائل الإعلام. إذا فهي بحاجة إلى بناء مؤسسات شفافة في عملية الإفصاح عن الفساد، ومحاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، بجانب ضرورة نشر الوعي بين المواطنين العرب من أجل الحفاظ على الأموال العامة، وعدم التلاعب في القوانين والأسس والتشريعات. وفي غضون الأعوام الثمانية الأخيرة لم تتمكن الكثير من دول العالم من تحسين مؤشراتها السنوية في مكافحة الفساد، حيث تأتي معظم الدول العربية الإفريقية في مقدمة الدول التي لم تتمكن من تحسين المؤشر العام لها. أخيرا نقول: إن الدول الغربية التي تتقدم في مؤشر مكافحة الفساد سنويا، تلعب أدواراً سلبية تجاه بعض الدول العربية من خلال تمكين بعض الأحزاب والشخصيات من السيطرة على أوجه الحكم والتحكّم في القوانين والتشريعات الداخلية، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الفتن والقلاقل والاضطرابات اليومية في تلك الدول، وهذا ما نراه اليوم على الصعيد العربي. في الختام يأتي مرض كورونا كاختبار جديد لجميع دول العالم وخاصة العربية منها، لمعرفة مدى صحة السياسات والتشريعات والأنظمة التي تعمل بها من أجل الرقي بالإنسانية والبشرية التي أصبحت تعاني اليوم من هذه الآفة، كما تعاني من سياسات مسؤوليها. فهل العالم متوجه اليوم للقضاء على الفساد في مؤسساته كما يحاول جاهدا القضاء على فيروس كورونا؟

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن