تشرين الاول (اكتوبر) 2020

  • 1 - 31 أكتوبر 2020

البلدان العربية ما بعد كورونا: ضرورة الاستثمار في العنصر البشري

بإجماع خبراء وأساتذة الاقتصاد في العالم، لم تخلف جائحة وبائية أثراً اقتصادياً على مختلف الدول كما فعلت جائحة «كورونا»، فقد ألحقت خسائر اقتصادية غير مسبوقة بكل دول العالم، وجعلت أقوى الاقتصادات تئن تحت وطأة العجز عن ملاحقة التداعيات، حيث تقدر الخسائر بعشرات تريليونات دولار، الأمر الذي دفع كل حكومات العالم إلى بذل كل الجهود لاستعادة حركة الاقتصاد، مع استمرار المواجهة الصحية للوباء، وهو ما أطلق عليه خطة «التعايش مع كورونا».

والتعايش مع الوباء يعني «الخروج للعمل والإنتاج، مع استمرار الإجراءات الاحترازية، وهو الأمر الذي تتسابق فيه كل دول العالم الآن، ومن بينها الدول العربية، التي عانت معظمها معاناة اقتصادية شديدة بسبب تلك الجائحة وجمدت معظم الأنشطة الاقتصادية بها، وألحقت خسائر فادحة بقطاعات كثيرة تمثل موارد دخل مهمة للعديد من الدول العربية، وهو ما دفع جامعة الدول العربية إلى تقديم توصيات عدة للدول الأعضاء لتخفيف تداعيات انتشار فيروس كورونا على اقتصاداتها، في وقت يؤكد الخبراء انكماش الاقتصاد العالمي في 2020 بسبب الجائحة.

ووصفت جامعة الدول العربية في تقرير لها الأزمة الاقتصادية الحالية في الدول العربية بأنها «أزمة مزدوجة خارجية وداخلية، أزمة سوق وأزمة حكومة، لذلك فإن الأدوات التقليدية لن تجدي نفعاً». مؤكدة أن من الصعب في الفترة الراهنة اعتماد الدول بشكل كبير على بعضها البعض، فالأزمة أصابت الجميع، ومن الصعب الاعتماد على السوق وحده، لأن السوق فقد قدرته على استيعاب التداعيات، وسوق النفط قد تراجع كثيراً، وكثير من الأنشطة الاقتصادية عانت من التوقف والكساد منذ بدء انتشار الوباء، وهو ما يتطلب البحث عن حلول غير تقليدية للمواجهة.

وأبرزت الجائحة أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي العربي من خلال المشروعات الصناعية والإنتاجية المختلفة، وإنشاء صناديق للحماية ضد أية متغيرات اقتصادية تتعرض لها دول المنطقة. وأياً كان شكل هذا التعاون، وعدد الدول المشاركة فيه، فهو مهم، وتفرضه التحديات الاقتصادية الحالية والمتوقعة. من هنا يمكن أن نستشف أنه لت يجب أن ننتظر حتى تحدث أزمة أو مشكلة اقتصادية ثم نبحث عن كيفية مواجهتها، وكيفية تمويل سبل المواجهة، فصناديق مواجهة الأزمات الاقتصادية ينبغي أن تكون موجودة وفاعلة وقادرة على التعامل السريع مع كل أزمة حتى لا تتفاقم ويصعب مواجهتها بعد ذلك، وهو يتطلب خلق بنية مناسبة للتعاون الاقتصادي بين الدول العربية زراعياً وصناعياً وتجارياً، وهذا يتطلب هيكلة المنظومة الصناعية، وتقديم حوافز استثمارية، والتعاون عربياً في نقل تكنولوجيا الصناعة في مختلف المجالات، كما يتطلب التعاون إصلاح للسياسات الضريبية، وهيكلة للنظم الجمركية، ووضع قوانين محفزة للمستثمرين.

لقد نبهتنا جائحة كورونا إلى أهمية الارتقاء بقطاعات مثل: الصحة والتعليم والبحث العلمي، وكذلك أهمية الاستثمار في إنتاج السلع الاستراتيجية، ونذكر هنا تحقيق الأمن الغذائي، والأمن الدوائي الذي يتمثل في قدرة الدول العربية على تأمين كمية كافية من الأدوية الأساسية، التي يحتاج إليها المجتمع بجميع شرائحه، سواء في الأوقات العادية أو أوقات الأزمات.

كذلك هناك أهمية للاستثمار في العنصر البشرى في عصر ما بعد كورونا، فنحن بأمس الحاجة إلى جيل جديد من الشباب القادر على أداء الواجبات الوظيفية تحت أية ظروف، سواء أكان ذلك في مجال الرعاية الطبية، أو غيرها من مجالات العمل والإنتاج في البلاد العربية، فالإنسان هو الصانع الحقيقي للتنمية، ولذلك ينبغي أن يكون الوسيلة والغاية من التنمية، عبر الارتقاء بالإنسان مادياً وروحياً بما يحسن معيشته، ويجعله قادراً على المساهمة في نهضة وتقدم مجتمعه.

في الختام يجب أن تولي الدول العربية أهمية كبيرة للاستثمار في البشر، والذي يعبر عنه بأنه «كل ما يزيد من إنتاجية العمال والموظفين من خلال المهارات المعرفية والتقنية التي يكتسبونها» ويجب أن تتوافق الخطط التعليمية مع الخطط الاستثمارية والتنموية.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن