تشرين الثاني وكانون الأول (نوفمبر وديسمبر) 2019

  • 1 نوفمبر - 31 ديسمبر 2019

مواجهة التحديات واقتناص الفرص

بدأت منذ فترة ليست قصيرة الكثير من الأصوات تتعالى محذرة من أزمة اقتصادية عالمية، ومن أبرز الأسباب التي تساق لتبرير هذا التوقع تصاعد الصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والعقوبات الأمريكية على العديد من دول العالم بمن فيهم الأصدقاء وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وتراكم الدين على مستوى العالم.

ويشير تقرير "موجات الديون في العالم" للبنك الدولي إلى أن "الاقتصاد العالمي شهد أربع موجات من تراكم الديون خلال السنوات الخمسين الماضية. وانتهت الموجات الثلاث الأولى بأزمات مالية في الكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية. وشهدت أحدث موجة منذ عام 2010 بالفعل أكبر زيادة في الديون وأسرعها وأوسعها نطاقاً في هذه البلدان، فقد ارتفع اجمالي ديونها بمقدار 54 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي إلى أعلى مستوى لها في التاريخ بلغ نحو 170% من إجمالي الناتج المحلي في 2018.

وقد خفض تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الذي أصدره صندوق النقد الدولي في شهر تشرين أول الماضي توقعاته لمعدل النمو العالمي إلى 3% في 2019، وهو أدنى مستوى منذ أزمة 2008-2009، وإلى 3.4% في 2020، كما خفضت المفوضية الأوروبية توقعاتها لمعدل النمو في منطقة اليورو إلى 1.1% في عام 2019، و1.2% في 2020، وذلك بسبب التوترات التجارية العالمية.

كما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تراجع أسعار النفط إلى 61.8 دولاراً في 2019، و57.9 دولاراً في 2020، مقابل نحو 68.33 دولاراً للبرميل في 2018 وكذلك خفضت منظمة التجارة العالمية توقعات نمو التجارة بسبب التوترات وقيام العديد من الشركات حول العالم بتأخير استثماراتها التي تعزز الإنتاجية بفعل التوترات، وذكرت المنظمة في تقرير لها، أن توقعاتها لنمو التجارة العالمية في 2019 ستبلغ 1.2% مقارنة مع توقعات صدرت في نيسان الماضي، بلغت حينها 2.6%، أما توقعات نمو التجارة العالمية في 2020، فقد تراجعت إلى 2.7% مقارنة مع 3% في توقعات نيسان 2019. كما أظهر استطلاع للرأي أعدته الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال، في الولايات المتحدة أن 34% من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع، يعتقدون أن الاقتصاد المتباطئ سيميل إلى الركود في 2021.

لكن على الرغم من ذلك، فإنّ هناك العديد من الآراء الأخرى التي تقلل من احتمالية حدوث أزمة اقتصادية عالمية وأن الأمر يقتصر على تباطؤ في النمو، باعتبار أن بعض البلدان النامية ستلتحق بركب النمو، وهناك من يشير إلى أن التوقعات بحد ذاتها هي من يمكن أن تؤدي إلى تراجع النمو حيث تؤدي لاتخاذ مواقف حذرة في انتظار ما سوف يأتي.

ولعل بعض التطورات خلال الفترة الأخيرة تدعم فكرة استبعاد حصول أزمة خاصة مع تواتر الأنباء حول التوصل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى عدد من الإجراءات التحفيزية التي تتخذها العديد من الدول مثل تخفيض نسب الفائدة وغيرها، وتعزيز السياسات الهادفة إلى تحقيق نمو أكبر وشمول أوسع، فمثلاً قامت الصين خلال هذا العام بتخفيض الضرائب والرسوم بحوالي 212 مليار دولار خلال ثمانية شهور بهدف تخفيف أعباء الشركات وتحسين بيئة الأعمال، وهناك أيضاً من يعتقد بأن السياسة في البلدان المختلفة لا زال أمامهم وقت لتجنب الانجرار إلى أزمة اقتصادية.

كما أشارت السياسات التجارية الأمريكية وسياسة فرض العقوبات على العديد من الدول تساؤلات حول استمرار الدولار كعملة مهيمنة، ويلاحظ أن بعض الدول تحاول اللجوء إلى بدائل، وكان آخرها ما تمخض عنه الاجتماع الذي عقد في ماليزيا بمشاركة تركيا وإيران وقطر والذي أعلن على أثره أن هذه الدول تبحث في تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها بنظام المقايضة أو الذهب.

كما سبق أن اتفقت الصين وروسيا على استخدام العملات المحلية لتسوية المعاملات التجارية بينهما، كما اعتمدت الصين اليوان الذهبي لتسعير النفط، وهناك أيضاً محاولات أوروبية لتسعير النفط باليورو، إلاّ أن بعض الاستطلاعات تظهر أن الدولار لا زال يستحوذ على 88% من معاملات العملات الأجنبية، وهناك من يبرز هيمنة الدولار بعمق أسواق رأس المال الأمريكية وقوة المؤسسات، ومن المرجح أن تكون هذه الهيمنة طويلة الأجل، إلاّ أن استمرار السلطات الأمريكية في استخدام الدولار كأداة للعقوبات قد يشجع الدول المختلفة على آليات دفع بديلة.

ولكن بغض النظر عن مدى دقة التوقعات فنحن بحاجة إلى بناء سيناريوهات مختلفة نستطيع من خلالها مواجهة ما قد تتمخض عنه الظروف الراهنة من تطورات، فالتحديات تقل خطورتها لدى الاعداد لها بشكل جيد والفرص تأتي دائماً لمن هو مستعد وقادر على اغتنامها.

 

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن