كانون الثاني (يناير) 2022

  • 1 - 31 يناير 2022

الأمن الغذائي العربي وتداعيات الحرب الأوكرانيّة؟

 

رغم البعد الجغرافي لأوكرانيا عن العالم العربي، لكن تأثير الحرب الدائرة في هذا البلد الأوروبي، سيكون قاسيا معيشيا على عدة بلدان عربية خاصة إذا امتدت هذه الحرب فترة طويلة. فعدة دول عربية تستورد القمح سواء من روسيا، أول مصدر عالمي لهذه المادة الحيوية، أو من أوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة دوليا. والنزاع بين البلدين يؤدي تلقائيا لوقف الحركة التجارية مع الخارج. أولا بسبب الحرب على الأراضي الأوكرانية وثانيا لفرض عقوبات على الصادرات الروسية.

ولا شكّ أنّ هذه الحرب، لا سيما إذا طال أمدها، ستعقد مهمة الكثير من الأسر في مصر ولبنان واليمن وتونس ولربما دول عربية أخرى في توفير الرغيف على مائدة الطعام. وقد حذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح للعالم العربي الذي يعتمد بشدة على الواردات لتوفير غذائه، قد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة.

واليمن، أول بلد عربي مهدد بتأزّم وضعه الغذائي أكثر مما هو عليه. وفي هذا الإطار يشرح المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن ديفيد بيسلي، صعوبة الظرف الحالي: "كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع، لكن لا، الحال أسوأ (...) نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، سيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي".

أما في لبنان الذي يتخبط في أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات قد تتأزم الحياة المعيشية لمواطنيه أكثر. وعلى غرار اليمن ولبنان، قد تواجه البلدان المغاربية أزمة غذائية أيضا بسبب الحرب في أوكرانيا. ويبدو أن حكومات المنطقة واعية بالخطر المحدق بها، وتحاول أن تسابق الزمن لاتخاذ خطوات استباقية تحميها من هزات اجتماعية. فالمغرب مثلا، الذي التهبت فيه الأسعار قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، قام بزيادة مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، وعلقت الرسوم الجمركية على استيراد القمح.

لكن تونس لم يكن بوسعها القيام ذلك. حيث يتزايد الدين مع ذوبان احتياطات العملات الأجنبية. وتستورد تونس 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، ولديها مخزون يكفي حتى حزيران/يونيو، كما بيّنت وزارة الزراعة التونسية. وفي الجزائر، ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا وخامس مستورد للحبوب في العالم، يكفي المخزون ستة أشهر على الأقل. أما مصر، فتعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد من روسيا، واشترت 3.5 مليون طن من القمح حتى منتصف كانون الثاني/يناير. وحتى بعد أن بدأت القاهرة في السنوات الأخيرة، بشراء القمح من مورّدين آخرين، لا سيما من رومانيا، فقد استوردت عام 2021 المنصرم 50 في المئة من القمح من روسيا و30 في المئة من أوكرانيا. وأعلنت الحكومة أن لديها مخزونا استراتيجيا يكفي فترة تقرب من تسعة أشهر.

تختار العديد من الدول العربية استيراد القمح الروسي والأوكراني نظرا لـ"سعره المنخفض"، إلا أن هذا السعر سيرتفع كثيرا في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا وأيضا بلدان أمريكا اللاتينية لشرائه بسبب بعد المسافة، لاسيما وأن سعر النفط مرتفع ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول. وليس هناك أي حل آخر أمام حكومات الدول العربية المتضررة، إلا إيجاد بدائل عن أوكرانيا وروسيا. والبدء في مفاوضات مع دول أخرى على عقود جديدة لتوريد القمح، على الرغم من أنّ هذا الوضع ستتضرر منه حتى الدول الغنية حيث سترتفع فيها الأسعار، ما يمس بالسياسات المالية لحكوماتها المتعثرة أصلا منذ بدء الأزمة الصحية.

دول الخليج بدورها مهددة بأزمة في مواردها الغذائية المستوردة من البلدين، وتحديدا اللحوم والحبوب، بدون أن يكون لذلك أي تأثير على أمنها الغذائي، حيث لدى هذه الدول قدرة على استيعاب كلفة أعلى للواردات في حالة ارتفاعها بفضل إمكانياتها المالية.

في كل الأحوال، ارتفاع الأسعار لا تتقبله الشعوب حتى لو كانت في البلدان الغنية، فكيف تستسيغه في دول عربية نامية كتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان واليمن، التي يكد مواطنوها لتوفير الرغيف اليومي لهم ولأسرهم، حيث أنّ وضع من هذا القبيل فيه تهديد للأمن الغذائي وقد يؤدي إلى تحركات اجتماعية رافضة لغلاء المعيشة.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن