تموز واب (يوليو واغسطس) 2022

  • 1 يوليو - 31 أغسطس 2022

أوروبا وتأثير مخاطر امدادات الغاز على الاقتصاد

تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في زيادة قتامة آفاق النمو العالمي، ولا سيما الاقتصاد الاوروبي حيث يواجه اقتصاد أوروبا نكسة خطيرة بسبب روابطها التجارية والاستثمارية والمالية مع البلدين المتحاربين. وتعاني أوروبا حاليا من انقطاع جزئي لصادرات الغاز الطبيعي من روسيا، أكبر موردي الطاقة بالنسبة لها. وتثير احتمالات الوقف الكامل غير المسبوق مخاوف بشأن نقص الغاز، وارتفاع الأسعار المستمر، والتأثيرات الاقتصادية. ورغم سرعة تحرك صنّاع السياسات، فإنهم يفتقرون إلى خطة لإدارة التأثير وتقليصه، حيث ستكون بعض البلدان الأشد تأثرا في أوروبا الوسطى والشرقية – هنغاريا والجمهورية السلوفاكية والجمهورية التشيكية – حيث تواجه هذه البلدان مخاطر نقص الإمدادات بنسبة تصل إلى 40 في المئة من استهلاك الغاز، وانكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 6 في المئة. غير أن هذه التأثيرات يمكن تخفيفها عن طريق تأمين إمدادات ومصادر طاقة بديلة، وتخفيف الاختناقات في البنية التحتية، وتشجيع توفير الطاقة، مع حماية الأسر الضعيفة والتوسع في اتفاقات التضامن لاقتسام الغاز بين البلدان.

وقد تمكنت البنية التحتية الأوروبية والإمدادات العالمية حتى الآن من التكيف مع هبوط عمليات تسليم الغاز بنسبة 60 في المئة منذ يونيو (حزيران) 2021. وانخفض الاستهلاك الكلي في الربع الأول بنسبة 9 في المئة عن العام السابق، ويجري الاستعانة بإمدادات بديلة، وخاصة الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية. وتشير أبحاث صندوق النقد الدولي إلى إمكانية التعامل مع انخفاض إمدادات الغاز الروسي بنسبة 70 في المئة على المدى القصير عن طريق الإمدادات ومصادر الطاقة البديلة، وفي ظل انخفاض الطلب قبل ذلك نتيجة لارتفاع الأسعار.

ويفسر هذا قدرة بعض البلدان على وقف الواردات الروسية بصورة منفردة. غير أن تنويع المصادر سيكون أصعب بكثير في حالة الوقف التام. فمن الممكن أن تؤدي الاختناقات إلى الحد من القدرة على تحويل مسار الغاز داخل أوروبا بسبب عدم كفاية الطاقة الاستيرادية أو العقبات المعوقة للنقل. وتقود هذه العوامل إلى نقص يتراوح بين 15 في المئة و40 في المئة من الاستهلاك السنوي في بعض بلدان أوروبا الوسطى والشرقية. لكن في حال ظلت أسواق الاتحاد الأوروبي موحدة سواء داخليا أو مع بقية العالم، فإنّ السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال ستساعد على تخفيف التأثيرات الاقتصادية. ويرجع هذا إلى أن تخفيض الاستهلاك موزع على كل البلدان المتصلة بالسوق العالمية. وعلى طرف النقيض، ومع افتراض عدم وجود دعم من إمدادات الغاز الطبيعي المسال، يتضخم التأثير، فيتعين أن تعمل أسعار الغاز بالغة الارتفاع عن طريق تأثيرها الكابح للاستهلاك في الاتحاد الأوروبي فقط.

وإذا كانت هناك قيود مادية تعوق تدفقات الغاز، فإن منهج الأسواق المفتتة يشير إلى أن التأثير السلبي على الناتج الاقتصادي سيكون كبيرا للغاية، يصل إلى 6% بالنسبة لبعض البلدان في أوروبا الوسطى والشرقية حيث يُستخدَم الغاز الروسي بكثافة كبيرة وتشح الإمدادات البديلة، ولا سيما في هنغاريا والجهورية السلوفاكية والجمهورية التشيكية. وستواجه إيطاليا تأثيرات كبيرة أيضا بسبب ارتفاع مستوى اعتمادها على الغاز في إنتاج الكهرباء. وستكون الآثار على النمسا وألمانيا أقل حدة ولكنها تظل كبيرة، تبعا لمدى توفر مصادر بديلة ومدى القدرة على تخفيض استهلاك الغاز من جانب الأسر. وستكون الآثار الاقتصادية معتدلة، ربما أقل من 1%، بالنسبة لبلدان أخرى تمتلك سبلا كافية للوصول إلى الأسواق الدولية للغاز الطبيعي المسال.

لكن على الرغم من ذلك فإنّ هناك إمكانية لتخفيف جانب من التداعيات الاقتصادية لوقف الغاز الروسي. فبخلاف التدابير المتخذة بالفعل، ينبغي اتخاذ إجراءات أخرى تركز على تخفيف المخاطر والتأهب للأزمات.

ويجب على الحكومات أن تعزز الجهود لتأمين الإمدادات من الأسواق العالمية للغاز الطبيعي المسال والمصادر البديلة، ومواصلة تخفيف اختناقات البنية التحتية لاستيراد الغاز وتوزيعه، والتخطيط لمشاطرة الإمدادات عبر الاتحاد الأوروبي في حالة الطوارئ، والتحرك الحاسم لتشجيع وفورات الطاقة مع حماية الأسر الضعيفة، والتأهب للبرامج الذكية التي تحدد حصصا للغاز.

إنها اللحظة المناسبة لكي تبني أوروبا على ما تحقق من تحرك حاسم وعمل تضامني أثناء الجائحة للتعامل مع اللحظة العصيبة التي تواجهها اليوم.

إحصل على اشتراك سنوي في مجلة العمران العربي

اشترك الآن