اب - ايلول (أغسطس - سبتمبر) 2025

  • 1 أغسطس - 30 سبتمبر 2025

دور رأس مال القطاع الخاص في خلق الوظائف ودفع النمو الاقتصادي

 

يعيش الشرق الأوسط والمنطقة العربية اليوم تحوّل تاريخي، في ظل فجوة متنامية في عدد الوظائف حيث يبلغ عدد سكان المنطقة أكثر من 270 مليون نسمة، نصفهم تقريباً من الشباب دون سن الثلاثين، مما يخلق تحديات، على الرغم مما يمتلكه جيل الشباب من قدرات هائلة وإمكانات واعدة. وسينضم خلال العقد القادم، نحو ستة وثلاثين مليون شخص إلى سوق العمل في الشرق الأوسط، بحثًا عن فرص لبناء حياة أفضل، وذلك وفق تقديرات فريق مؤسسة التمويل الدولية استنادًا إلى بيانات إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة والبنك الدولي لعام 2024. ولاستيعاب هذا التدفق، ستحتاج المنطقة إلى توفير 18 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات العشر المقبلة. لكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يتمكن سوى نصفهم من الحصول على فرص عمل. ومن دون مسارات واضحة للعمل، سيجد الكثيرون أنفسهم في مواجهة البطالة، ليتفاقم الفقر، وتتسع فجوات عدم المساواة، ويزداد عدم الاستقرار.

ويزداد إلحاح هذا التحدي مع استمرار معاناة العديد من بلدان منطقتنا العربية من الهشاشة والصراعات، وهو ما يقوّض الفرص الاقتصادية ويترك ملايين الأشخاص عرضة للمخاطر. وتزداد الأزمة حدة بفعل مشاكل هيكلية مزمنة، من بينها الاعتماد المفرط على الوظائف الحكومية، وضعف نمو القطاع الخاص، والفجوات الكبيرة في أنظمة التعليم. كما يضاعف عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي من صعوبة الجهود المبذولة لخلق فرص عمل.

وتظهر الإحصاءات أنّ نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في المنطقة العربية تبلغ 19 في المئة فقط، وهي من بين أدنى المعدلات عالميًا، حيث تبقى 68 مليون امرأة خارج سوق العمل، وفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية. كما تظل محدودية الوصول إلى الخدمات المالية عائقًا كبيرًا أمام الكثيرين، ففي دول مثل اليمن والعراق لا تتجاوز نسبة السكان الذين يمكنهم استخدام الخدمات المالية الرسمية 12 في المئة في اليمن و19 في المئة في العراق. كما أنّ هيمنة الاقتصاد غير الرسمي في بعض الدول تفوق تلك التحديات، حيث يشكّل العمل غير الرسمي 68 في المئة من الوظائف في العراق و55 في المئة في كل من لبنان والأردن.  والتصدي لهذه العقبات يتطلّب استجابة منسّقة بين القطاعين العام والخاص. فرغم أهمية استثمارات القطاع العام، يبقى القطاع الخاص هو المحرّك الرئيس للنمو ومصدر لغالبية توفر فرص العمل.

وأمام هذا الواقع فإنّ خلق المزيد من فرص العمل الجيدة ليس مجرد أولوية تنموية، بل هو عنصر أساسي للنمو والاستقرار العالمي. ولهذا السبب تُعدّ إتاحة فرص العمل أولوية من خلال تعبئة رأس المال الخاص للتصدي لتحدي الوظائف في المنطقة. مما يتطلّب الاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم لتعزيز البيئة المواتية، وتنمية رأس المال البشري، وزيادة الإنتاجية، مما من شأنه خلق وظائف مستدامة بفضل تدفق التجارة بكفاءة أكبر.

كما لا بدّ من تهيئة البيئة التي تحتاجها الشركات للنمو وخلق الوظائف، وذلك يكون من خلال السعي إلى دعم القطاعين العام والخاص على معالجة التحديات الأكثر تعقيداً عبر حلول قائمة على الأدلة، وتمويل ذكي، وتكنولوجيا مبتكرة تشمل الذكاء الاصطناعي. والنتيجة هي حوكمة أفضل، وحواجز أقل أمام الحصول على الوظائف، ومزيد من الشمول المالي.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحديد القطاعات ذات الأولوية والإصلاحات العملية لدعم الرؤى التنموية للدول، مع إفساح المجال للقطاع الخاص لقيادة هذا المسار، عبر تعبئة رأس المال الخاص لتوسيع نطاق خلق الوظائف.

في المحصّلة فإنّ خلق الوظائف ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل هو أيضًا ضرورة اجتماعية وسياسية. كما أن نوعية الوظائف لا تقل أهمية عن عددها: من حيث تعزيز الإنتاجية، وإضفاء الطابع الرسمي على العمل، وتمكين النساء والشباب من التكيف مع الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر والتحول الرقمي.. إنّ تحدي الوظائف في الشرق الأوسط أمر صعب، لكنه ليس مستحيلًا. وبالعمل العاجل والمدروس، يمكن للمنطقة إطلاق إمكاناتها الاقتصادية وخلق فرص لملايين المواهب.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن