آذار (مارس) ونيسان (ابريل) 2020

  • 1 مارس - 30 أبريل 2020

عصر ما بعد فيروس كورونا.. 

نحو التحوّل الرقمي الكامل؟!

 

سلّطت قمة مجموعة العشرين التي عقدت مؤخرا عبر الإنترنت، الضوء على تحديات النمو الاقتصادي التي يواجهها العالم بأسره بسبب أزمة تفشي كوفيد-19 عالميا. فمنذ أن طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من جميع موظفي المنظمة العمل عن بُعد في الفترة من 16 مارس إلى 12 إبريل، تبع ذلك صدور قرارات وأوامر من قبل العشرات من سلطات البلدان في العالم للجماهير بــ"البقاء في المنزل"، وهو ما لفت الأنظار مرة أخرى إلى مصطلح "تشاي" وهي كلمة جاءت من كلمة "أوتاكو" في اللغة اليابانية، وكانت تشير في البداية إلى أولئك الذين يفضلون البقاء في المنزل وحدهم دون المشاركة في أي نشاطات اجتماعية.

 

وفي السنوات الأخيرة، صار اقتصاد "أوتاكو" الياباني يتضمن صناعات الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو والصناعات المشتقة منها، ولكنه أخذ يتوسع بعد ذلك في الصين وغيرها من الدول الآسيوية ليشمل جميع النشاطات الاقتصادية التي يمكن للناس إنجازها في المنزل، مثل الاستهلاك عبر الإنترنت والعمل عن بعد والتسويق والإعلانات على الإنترنت.

 

ويتماشى أمر "البقاء في المنزل" في دول العالم مع تقدم تكنولوجيا الاتصال الحديثة، ما دفع إلى تسارع ظهور مصطلحات مثل البيانات الضخمة والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. وقد حققت صناعة الاستهلاك عبر الإنترنت اختراقا كبيرا، فمنصة (JD.com) الصينية الشهيرة للتجارة الإلكترونية تبيع على سبيل المثال، أكثر من 3 آلاف طن من المواد الخام الطازجة يوميا، وفقا لبرنامج تحليلي بثته القناة الاقتصادية لشبكة (سي سي تي في) الصينية في بداية مارس. وعلى مدار 30 يوما بدءا من 20 يناير إلى 18 فبراير، تم بيع أكثر من 88 ألف طن من المكونات الطازجة، بزيادة سنوية تتجاوز نسبتها 230 في المائة.

 

ولم يقتصر اقتصاد "تشاي" على شراء المأكولات والمستلزمات اليومية فحسب، إذ صار حوالي 28 مليون شخص يتمتعون بخدمة التشخيص الطبي على منصة "علي جيانكانغ" (علي للصحة) منذ بداية يناير العام الجاري.

 

ووفقًا لمسح أجرته شركة Kelly Services الأمريكية المتخصصة في خدمات الموارد البشرية، فإن أكثر من ربع المستجيبين على مستوى العالم يعملون عن بُعد على الأقل جزءا من الأسبوع، وهذا الرقم يصل إلى 37 في المائة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

 

من ناحية أخرى، لقد آن الأوان لأن تمضي دول الشرق الأوسط قدما في هذا المجال، وهو ما بدأته المملكة العربية السعودية، إذ أفصحت مؤخرا عن إعدادها مسودة تشريعية مختصة بمستجدات الاقتصاد الرقمي، ما يؤكد ذهاب الحكومة نحو التحول الجاد إلى مستويات تقدمية من واقع الاقتصاد التقليدي إلى تحديات الاقتصاد الحديث. وفي مصر، عجّل فيروس كورونا الجديد من عمليات التحول الرقمي في اقتصادها، بعد خطوات احترازية عدّة شرعت الحكومة في تطبيقها مؤخرا، وإعلان البنك المركزي عن حزمة إجراءات تضم حوافز للمعاملات الإلكترونية بدلا من الحضور إلى فروع البنوك. وكان يخطط بنك مصر لإنشاء أول بنك رقمي في البلاد خلال النصف الثاني من العام الحالي، والذي يتيح تنفيذ جميع المعاملات إلكترونيّا.

 

وفي الأردن، أعلن وزير الاقتصاد الرقمي والريادة مثنى غرايبة في بداية مارس، عن انضمام الأردن إلى شبكة الخدمات العامة الرقمية التي تم تأسيسها من قبل النرويج ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). أما البحرين فقد أصدرت تقريرا في مارس، أشارت فيه إلى أن المملكة تتبنى رؤية للنهوض بالبيئة الاقتصادية بمساعي التركيز على تنمية الاقتصاد الرقمي والنهوض بقطاع الضيافة والفندقة. إذا أصبحت سرعة التحوّل الرقمي في ظل تداعيات أزمة فيروس كورونا الجديد، اتجاها عالميا، ومن هذا المنطلق أمام البلدان العربية في ظل انتشار هذا الوباء المستجد، فرصة فريدة لاستدراك ما فاتها في تدعيم منظومة اقتصاداتها الرقمية وتعديل أوضاعها لتصبح من المنافسين الاقتصاديين الأقوياء سواء في المنطقة أو المناطق الأخرى.

 

ولا شكّ أنّ بناء منظومة اقتصاد رقمي إقليمي سيستفيد كثيراً من الميزتين النسبيتين اللتين تتمتع بهما بلدان المنطقة، وهما: تنافسية التعليم العالي وشباب مولع بالتكنولوجيا، وموقع استراتيجي يتيح لها إمكانية التحول إلى مركز للخدمات والتجارة وأنشطة الربط والاتصال المتقدمة.

إحصل على اشتراك سنوي في النشرة الاقتصادية العربية الفصلية

اشترك الآن